هبوا يا أهل العلم فالأمر جد
عبدالرحمن بن ناصر البراك
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد:
فمن أصول أهل السنةِ الإيمانُ بالشرع والقدر جميعًا، فيؤمنون بأن كل ما يجري في هذا الوجود فبمشيئة الله وقدرته وحكمته، فلا خروج لشيء عن تقديره وتدبيره؛ فإنه خالق كل شيء، وهو على كل شيء قدير.
ومن ذلك أفعال العباد: طاعاتهم ومعاصيهم، هي كذلك واقعة بقدرته تعالى ومشيئته، والله تعالى خالق العباد وخالق قدرتهم وأفعالهم.
كما يؤمن أهل السنة بأنه تعالى أمر عباده ونهاهم على ألسنة رسله، فما أمر به؛ فهو يحبه ويرضاه، وما نهى عنه؛ فإنه يسخطه ويبغضه، فهو تعالى يحب المتقين والمقسطين والتوابين والمتطهرين، ولا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ويرضى عن المؤمنين والشاكرين.
وأوجب سبحانه على عباده الأمر بما أمر به ومحبته، والنهي عما نهى عنه وكراهته، وهذا أحد أصول الدين : (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
والمعروف: كل ما أمر الله به ورسوله، والمنكر: كل ما نهى الله عنه ورسوله، وعلى هذا الأصلِ قيامُ الدين وظهوره.
وأكمل الأمم قياما بهذا الواجب هذه الأمة ونبيها محمد صلى الله عليه وسلم، كما وصِف بذلك في الكتب السابقة، قال تعالى: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ}[الأعراف: 157]، وقال تعالى في أمته صلى الله عليه وسلم: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}[آل عمران:110].
وأولى الناس قياما بهذا الواجب هم العلماء بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، فهم العالمون بما أمر الله به ورسوله، وما نهى الله عنه ورسوله، ولذلك كانوا أقدر الأمة على بيان الحق للناس علمًا وعملاً مما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والقيام بذلك فرض عليهم؛ لأن به تبليغ العلم، وإظهار الدين، وإقامة الحجة على المخالفين؛ لذلك كان من أنواع الجهاد كما قال صلى الله عليه وسلم في الخالفين المخالفين: « فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ». رواه مسلم.
وعلماء الشريعة هم الحماة لميراث محمد صلى الله عليه وسلم، كما روي في الحديث : « يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ».
وقال الإمام أحمد في أول كتابه «الرد على الجهمية والزنادقة» : «الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى؛ فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم».
وكلما غلب الجهل بدين الله، وظهرت البدع والمنكرات = كان القيام بواجب البيان والأمر والنهي على العلماء أعظم، لشدة الضرورة إلى ذلك.
وفي عصرنا هذا قد أعرض كثير من المسلمين عن دينهم: عن تعلمه والعمل به، وأقبلوا على علوم الدنيا، وأعظم أسباب ذلك: الإعجاب بحضارة الكفار، وتلقي ما تقذف به وسائل الإعلام المختلفة من الشبهات والشهوات، والدعوات إلى أنواع من البدع والمنكرات؛ بل إلى الكفر والإلحاد، فاشتدت الضرورة إلى الجهاد بالكلمة، إعذارًا وإنذارًا، ونصحًا لعباد الله، وأداءً لما فرض الله من الدعوة والبيان، وإظهارًا لدين الله، وإقامةً للحجة على المعاندين.
فإلى من آتاه الله حظًا من ميراث النبوة أتوجه بهذا الخطاب، مذكرًا لهم بما يجب عليهم من القيام لله : دعوةً إلى الإسلام، وبيانًا لشرائعه وحدوده، وكشفًا للشبهات، وهدايةً إلى صراط الله : {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[الشورى:52]
فمُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، ورغِّبوا في الفضائل والمستحبات، ونفروا من المحرمات والمكروهات بألسنتكم وأقلامكم، ولا تشغلنَّكم شؤون الحياة العلمية والعملية، ومشاغلها العادية عن القيام بهذا الواجب الذي تحملتموه بما آتاكم الله من علم وقدرة، فقد صار القيام به فرضًا على الأعيان؛ إذ لم تحصل الكفاية في ذلك لتقصير المقصرين، وإعراض المعرضين، فهبوا يا أهل العلم لخوض ساحة الجهاد العلمي، كلٌ بحسب ما آتاه الله من أسباب ذلك ووسائله، في مختلف المجالات، ومع كل الطبقات، من ولاة الأمر، وعامة الناس، نصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؛ فإنه الدين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، الدين النصيحة ، الدين النصيحة ...» الحديثَ.
ولا يخفى ما جاء في النصوص من الترغيب في الدعوة إلى الله، والنصح لعباده، ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا».
وفي الصحيح أن جريراً رضي الله عنه قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا ـ وذكر منها ـ وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم».
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
منقول