السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،،
مع تخلفنا العلمي، وتأخرنا عن قاطرة التكنولوجيا، إلا أن الباحث النابغة في عالمنا العربي يبحث لغير وطنه، ويمنح ثمرة جهده ليطور بلدًا غير بلده، ويقوي شعبًا غير شعبه، ويثري حضارة غير حضارته !
إنه ذلك الباحث الذي عاش في بلده غريبًا في بيئة لا تدعمه وفي ظلال وطن متنكر له، ونظام يحاربه في فكره .
أو ذاك الباحث الذي هاجر في جنح الليل إلى أوربا أو أمريكا، فقد ضاقت به الحياة في بلد يقدس رجال الولاء على رجال العلم، ويحترم المطرب أكثر من احترامه للباحث العلمي، ويدعم مواهب الرقص والطبل والنحت والرسم أكثر من دعم مواهب العلم والفكر .
في بلد يُباع فيه كل شيء ، المصانع والشركات والطرق والبنوك والماء والهواء والقيم والأخلاق.
نكتب بلغة غيرنا
من المخحل أن لغة البحث العلمي في بلادنا " غير عربية "، فالبحوث المكتوبة بلغة الضاد لا تتجاوز نسبة 5% من إجمالي البحوث الجديدة في عام واحد، علمًا بأن النسبة الكبرى في لغة البحوث التي أعدها باحثون عرب هي بحوث باللغة الإنجليزية، تليها بحوث باللغة الفرنسية ثم باللغة الألمانية .
نقول هذا على صعيد الباحثين المقيمين في أوطانهم العربية .
ننشر في مجلات غيرنا
لماذا إذا قلنا " مجلة دولية " فإننا نقصد بذلك مجلة أجنبية ؟ ! لماذا كل مجلة أجنبية تكون مجلة عالمية، بينما أي مجلة عربية لا ترقى فوق المستوى المحلي ؟ ! لماذا لا نمتلك مجلات عالمية تهوى إليها أفئدة الباحثين في العالم ؟ هل سنظل متخلفين في ميدان النشر العلمي حتى قيام الساعة ! ؟
إنك لتعجب من نظام البحث العلمي في العالم العربي الذي يفرض على أستاذ الجامعة الذي يبغي ترقية أو درجة علمية أن يعُد بحثًا وينشره في مجلة أجنبية . ومن ثم يُكتب النور لأفكار هذا البحث في "الغرب"، بينما يحصل صاحبه على الدرجة العلمية في " الشرق " .
نعم، أعرف أننا لا نمتلك مجلات علمية دولية محكمة، وهذا يرجع لأربعة أسباب :
السبب الأول: لتولي زمام المجلات العلمية الصادرة من الجامعات والمراكز البحثية في الوطن العربي – أشخاص حكوميين بالتعيين يفتقدون – في الغالب - إلا القدر الأوفى من الكفاءة .
السبب الثاني : لضعف مستوى هذه المجلات من حيث المواد العلمية المنشورة فيها سابقًا الأمر الذي يصنع سمعة سيئة لهذه المجلات دوليًا !
السبب الثالث : لضعف الدعم المالي المخصص لهذه المجلات .
السبب الرابع : أن الغرب لا يعرف مجلاتنا أصلاً، فهي غير معروفة لدى الباحثين الغربيين، فضلاً عن كونها غير مفيدة بالنسبة لهم، خاصة بعد أن أصبحت مجلاتنا منبرًا سهلاً لنشر الأبحاث المسروقة .
والحق أن هذه الأسباب لا تمنع من وجود مجلات عربية نزيهه متميزة .
نحن نحتاج إلى مجلة علمية بمعنى الكلمة، محكمة بمعنى الكلمة، دولية بمعنى الكلمة .
مخترعاتنا في جعبة غيرنا :
الباحث العلمي الذي فتح الله عليه باختراع، يحتاج إلى شيئين أساسيين :
الأول : التمويل اللازم لتطبيقات الاختراع
الثاني : حماية حقوقه الفكرية من خلال البراءة الرسمية
وفي دول العالم المتقدم لا يجد الباحث أدنى مشكلة في الحصول على التمويل أو الحصول على البراءة وتسجيل فكرته لحمايته من السطو .
أما في العالم العربي فالباحث صاحب الاختراع هو شخص مستهدف من الانتهازيين ولصوص البحث العلمي كما يتعرض إلى كثير من المساومات للتنازل عن فكرته مقابل بيعها لسمسار يقوم هو الآخر بتسويقها عالميًا، ومن ثم يحصل السمسار على ملايين الدولارات عن فكرة هي برئية منه وهو لم يبذل فيها جهدًا ، بينما الباحث صاحب الفكرة والحقوق لا يأخذ إلا الفتات، بعدما يوقن أن بحثه لن يكتب له النور لا عن طريقه ولا عن طريق وطنه، فيقوم مضطرًا ببيع فكرته لأحد سماسرة البحث العلمي .
المهم تؤول الفكرة العربية والاختراع العربي في نهاية الأمر إلى جعبة المراكز البحثية الغربية، والتي تقوم برعاية الفكرة، وطرحها على هئية منتج، نشتريه نحن ونقف في طابوره بعدما كان ثمرة فؤاد باحثينا !
عقولنا يملكها غيرنا :
أحمد زويل عالم مصري عربي مسلم ..
هل تشك في ذلك ؟
لا !!
لكن الحقيقة المرة، أن مصر ليس لها حق في هذا العالِم، والوطن العربي ليس له حق في هذا العبقري ..
وبالمثل :
فاروق الباز عالم مصري مسلم
هل تشك في ذلك ؟؟
لا !!
لكن الواقع يقول أن فاروق الباز خدم حضارة الغرب ولم يخدم حضارة العرب والمسلمين، أن أفكاره وعلمه وأبحاثه كانت إضافة لصالح أمريكا .
وتفسير ذلك، أن العرب يَنتجون المواهب ويجهزون العقول، حتى إذا تفوقت في مدارس وجامعات الوطن، لم تجد هذه العقول البيئة الداعمة لأفكارها الابتكارية إلا في الغرب!
نشبّه ذلك بالصياد الفقير الذي يصطاد سمكة الحفش (الكافيار) لا يملك أن يطبخ الكافيار إنما يملك أن يبيعه ليظل محرومًا من أكل الكافيار الذي أخرجه من بطن السمكة بيديه
نفس الحال في قصة البترول، لا نصنعه إنما نبيعه خامًا، لنشتريه بعد ذلك بأضعاف ثمنه .
وهذا ما يحدث في عقولنا المهاجرة، بعدما تستقر في محاضن الغرب، نشتري التكنولوجيا التي أنتجتها والخبرة التي صنعتها بأبهظ التكاليف، لنظل نبحث لغيرنا ..