الشعب المصري عاش تجربة رائعة رفعت من روحه المعنوية الى درجة عالية, الثورة الرائعة وإزالة النظام بتلك الطريقة المثالية ،
جعل عيون العرب تتعلق بمصر وبات العالم العربي يقرأ يوميا عن الثورة البيضاء ونتائج الثورة البيضاء.
بعد أن تجمل المصريين بأكاليل الغار نسوا منتشين بهذا النصر المحقق حقيقة ما يجري حولهم في العالم, بات الحديث بينهم يتناول الاموال التي ستغدق على كل عائلة مصرية بعد استعادة أموال الشعب المسروق من مبارك بالاضافة الى الاموال التي ستسترد من أعوان مبارك والمنتفعين من نظامه.
وليس غريبا أن يحمل المثقفين هذا الرأي أيضا لأن نشوة النصر ورياح التغيير حملت معها آمال الغد التي رسمت بأحلام جاءت من ارض الواقع الذي كان ينظر اليه في الأمس مستحيلا وقد أصبح اليوم حقيقة.
في خضم هذه الافراح لم يرى اي مصري الأزمة الاقتصادية التي باتت تهز العالم من جديد والتي باتت قاب قوسين أو أدنى من اسقاط عمالقة الاقتصاد مثل ايطاليا و اسبانيا اللتان بات انينهم مسموعا تحت وطأة ثقل قوائم نفقاتهم ولم ينظروا كذلك الى الازمة العالمية التي يعاني منها الكثير بسبب ارتفاع اسعار المواد الغذائية في العالم والتي ستعاني منها الشعوب الفقيرة أكثر من الشعوب الغنية و الدول التي لديها الكثير من المواد الاولية الثمينة و كما معروف فإن مصر ليست واحدة من هذه الدول.
ماذا جرى في مصر؟
زلال سياسي جاء بعزيمة شعب عانى ما عاناه من ظلم ازال عرشا امريكيا لم تكن امريكا راغبة في ازالته لكن اجبرت عليه ولحاجة العالم لفتح اسواق جديدة اضطرت كثير من الدول الاوربية وأمريكا لدعم ثورة مصر بالمال بالرغم من أزماتهم الخانقة. وعادت أمريكا لتكون في الميدان لتقيم نظاما سياسيا قادر على أن يخلق حالة توازن في المنطقة, وبينما أمريكا كانت تعمل بمجهود حثيث وصلت رسائل من اسرائيل تبلغهم عن قلقهم العميق نتيجة اعمال ضرب انابيب الغاز, التي ترجمتها على انها رسائل تهديد, قامت امريكا بتطمين اسرائيل لكن رسائل التهديد تكررت ولم يكن القلق الاسرائيلي غير مبررا خصوصا بعد أن تم عقد الصلح بين فتح وحماس في مصر رغم معارضة اسرائيل لهذا التقارب.
القلق الامريكي جاء بعد عدم تمكنهم من الحصول على تأييد جماهيري في مصر حول الرجال الذين يمكن أن يحققوا للأمريكان الحفاظ على مصالحهم في المنطقة.
ثم ظهر على الساحة السياسية المصرية الحجم الحقيقي للتيارات الاسلامية قبيل الانتخابات, الكثيرين من السياسيين يرون أن المليونية الاسلامية التي دعا لها الاخوان قبل الانتخابات هي القشة التي قصمت ظهر البعير, لذلك كان لابد من خلط الاوراق من جديد.
إن الاصلاحات السياسية ليست سحرا يظهر الاشياء في لحظة و يخفيها بلحظة, الوعود التي قدمها المشير طنطاوي لم تأت بثمار الهدوء في ساحة التحرير.
نزول رجال وشيوخ الازهر الى الشارع لم ينل احتراما كبيرا لوجودهم كما كان متوقعا, الكثير من المتظاهرين يقولون لا نعرف لماذا يجب أن ندخل الى شارع محمد محمود.
ثم تأتي التساؤلات حول الغاز المسيل للدموع, وانه له أعراض قاتلة, وما هي الاعراض القاتلة حرقة في العيون اختناق واغماء, لكن الدراسات تقول أن الغاز المسيل له هذه التأثيرات:
تتراوح آثار الغازات المسيلة للدموع وغيرها من المواد المستخدمة في مكافحة الشغب بين الإدماع البسيط وبين القيء الفوري والانهيار الجسدي. وأشهر تلك الكيماويات وأكثرها استخداماً هما "سي إن" و"سي آر"، رغم أن هناك حوالي 15 نوعاً مختلفاً من الغازات المسيلة للدموع (مثل الأدامسايت أو البروموأسيتون، والسي إن بي، والسي إن سي). ولكن استخدام السي إس حظي بانتشار أكبر نظراً لآثاره القوية مع انخفاض سميته مقارنة بغيره من المواد الكيماوية المماثلة. ويعتمد تأثير السي إس على كونه في صورة محلول أو على شكل رذاذ؛ إذ يعتبر حجم قطرات المحلول أو جزيئات الرذاذ من العوامل المحددة لمدى تأثيره على الجسم البشري.
رغم ان هذا هو التأثير الطبيعي حول تأثير الغاز المسييل للدموع لم تتوقف الجرائد الاوروبية والامريكية بالحديث عن العنف الذي تجاوز العنف الذي كان يمارس تجاه المصريين في زمن مبارك واستمر التصعيد الاعلامي حتى باتت السيطرة على مشاعر المصريين أمرا مستحيلا, وما يؤكد أن المشاعرهي التي باتت تحرك الشارع المصري هو اختلاف الفئة العمرية في الميدان حيث بات السواد الاعظم في الشارع من الشباب بعمر المراهقة.
الشباب لا يريدون الشرطة في الميدان, لا يرغبون بوجود الوزير بينهم و لا يريدون الجيش بينهم, فما هي القوة الدافعة لكل هذا الرفض المطلق لكل شئ؟ ما هو سبب انتفاضة الشباب؟.
الحقيقة ان ما يحرك الجماهير هي نظرية تفكير القطيع, اذا قفز احدهم قفز بقية افراد القطيع مع العلم انه لا يوجد سبب للقفز. نظرية فكرة القطيع استخدمها المستعمرين ايام زمان عندما كانت مخططات فرق تسد تطبق في مستعمراتهم في الوطن العربي وتطبق في كثير من الحالات في اوروبا وامريكا عندما تريد جهة ما خلق فكرة جديدة. شعور الشباب بانهم تمكنوا من ازالة نظام دكتاتوري لا يعوضه اي شعور آخر لذلك لا يمكنهم سماع صوت المنطق.
المحصلة النهائية, قيام دولة دكتاتورية تضمن المصالح الامريكية وأمان اسرائيل سيرحب به, أما الدخول في انتخابات لا يعلم من سيفوز بها ستكون نتائجه كانتخابات فلسطين عندما فازت حماس. يا ترى هل لدى امريكا رجال جاهزين من بين الرجال المتواجدين في الساحة السياسية أو بين شباب الثورة؟ هذا السؤال ستجيب عليه الايام القادمة.
تهدئة الشارع وحقن دماء المصريين الغالية واجب على كل السياسيين ومنظمي الثورة والتوجه الى الانتخابات هو الحل الامثل الآن, لان مصر لن تبقى أم الدنيا لو استمر هذا الحال على ما هو عليه, للديمقراطية أنياب اقسى من الدكتاتوريات لكنها مروضة ويجب التعامل معها وفق قوانين وأعراف قد تأخذ وقتا طويلا قبل أن يستوعبها المصريون ويتعلموا التعامل بها وفق قوانين لعبة الديمقراطية. اللاعبون المصريون سذج في هذا الميدان الجديد , رعا الله مصر والمصريين.