في الوقت الذي يزور فيه الرئيس الاميركي جورج بوش عدة دول اوروبية في اول رحلة له الى الخارج منذ توليه السلطة، بدأ في التعامل مع العديد من القضايا الدولية العالمية التي تواجه الولايات المتحدة بطريقة تتشابه كثيرا مع طريقة سلفه بيل كلينتون.
الادلة على ذلك واضحة: في الاسابيع الاخيرة اعلن المسؤولون في الادارة الاميركية، نيتهم استكمال ما بدأته ادارة كلينتون، واعادة التعامل دبلوماسيا مع كوريا الشمالية. وبعث البيت الابيض بممثل خاص الى الشرق الاوسط بعدما اعلن في البداية انه سيمتنع عن المحاولات الشخصية لصنع السلام في المنطقة.
وما الوضع بالنسبة لقوات حفظ السلام الاميركية في البوسنة، الذي انتقد بوش انتشارها في المنطقة خلال حملته الانتخابية؟، إذ لا تزال القوات الاميركية في البوسنة بنفس الأعداد تقريبا.
العودة الى اسلوب كلينتون ربما كون انعكاسا لخبرة بسيطة.. فبعدما تولى السلطة اكتشف فريق بوش وجود مبررات للطريقة التي تصرفت بها الادارات السابقة. ففي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية مرت كل ادارة جديدة بنفس عملية التعلم واكتساب الخبرات.
ويمكن القول انه في نصف القرن الماضي كانت واحدة من اهم صفات السياسة الخارجية الاميركية هي استمراريتها بغض النظر عن الحزب الذي يسيطر على البيت الابيض. ويوضح والتر راسل ميد، وهو باحث في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، ان «المصالح القومية تحرك السياسة الخارجية والمصالح القومية لا تتغير في 20 يناير كل اربع سنوات».
الا ان هذا لا يعني ان اوروبا لا تنظر لبوش ببعض القلق.. فلهجته «الانفرادية»، عندما ذكر على سبيل المثال، ان الولايات المتحدة ستنسحب من اتفاقية كيوتو، وان ذلك افضل للاقتصاد الاميركي، فاجأت اذانا اعتادت على سماع وجهات نظر «دولية» من الرؤساء الاميركيين، لكن لا تزال هناك بعض الاختلافات..
فبعض الخلافات الاساسية قائمة، اهمها الطريقة المناسبة لمواجهة مشكلة الدفء العالمي والدفاع الصاروخي. ولا يزال حلفاء الولايات المتحدة متفقين على معارضة اقامة درع دفاعي ضد الاسلحة النووية، الا اذا قبلت روسيا مثل هذا الدرع، واقامته في اطار اتفاقات ملزمة.
لكن بعض التصرفات الاميركية الاخيرة ادت الى اعتقاد عدد من الزعماء الاجانب بأن ادارة بوش ليست راعي البقرالذي كانوا يعتقدونه، فإعادة التعامل مع كوريا الشمالية من العوامل الهامة لذلك الاعتقاد. ويعتقد العديد من القادة الاوروبيين والآسيويين ان اغراء قيادة كوريا الشمالية بمساعدات وانضمامها الى المجتمع العالمي، يمكن ان يكون وسيلة اقل تكلفة بكثير للغاية لمواجهة برنامج تطوير الصواريخ الكوري بدلا من الدرع الصاروخي.. واستئناف المحادثات لن يؤدي الى خسائر، ولكنه ربما يحقق المزيد من المكاسب، او على الاقل يدعم موقف رئيس كوريا الجنوبية الموالي للغرب كيم داي يونج.
وفي الشرق الاوسط بعث بوش بممثل شخصي هو جورج تينيت مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية للمنطقة في محاولة لمنع مزيد من تصعيد العنف بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وهذه المحاولات ليست الحملة الشخصية لكلينتون لتحقيق اتفاقية سلام، ولكنها خطوة اكثر تقدما من تعهد الادارة الجديدة المبدئي بعدم التدخل.
وفي البلقان اكد كولن باول وزير الخارجية الاميركي الشهر الماضي لحلفاء الولايات المتحدة ان كل الاحاديث خلال الحملة الانتخابية بخصوص اعادة النظر في الالتزامات الاميركية حول العالم لا تعني ان الوجود الاميركي في البلقان خضع لاعادة النظر. وحتى في ما يتعلق بالتعامل مع الصين، حظي فريق بوش بمزيد من المديح لطريقة تعامله الرزينة مع ازمة حادة، وهي طائرة التجسس الاميركية وطاقهما.
ويشير المحللون الى ان الخبرة البسيطة في السلطة ربما تكون السبب وراء تراجع ادارة بوش عن بعض مواقفها خلال الحملة الانتخابية وبدايات وجود بوش في البيت الابيض.
واوضح ميد ان مقارنة السياسة الخارجية للادارات الاميركية تميل الى التركيز على القضايا الرمزية التي لا تؤثر تأثيرا كبيرا على المصالح الاميركية المباشرة. واوضح ان مثل هذه التصرفات «تعبئ انصار الرئيس وتجعلهم يشعرون بان السياسة الخارجية تمثلهم».
منقول