صورة جميلة ، وفاق ومصالحة وأمنيات معلقة تلوح في الافق القريب على مسافة للتخلص من ذاكرة الزمن الماضي المنكسر في دهاليز الخصام والانقسام الذي إنتهى ،ووقعت الفصائل الفلسطينية في مصر على اتفاق المصالحة الوطنية وطويت صفحة سوداء في التاريخ الفلسطيني وأعلنت بداية عهد جديد ، عهد الوفاق والإتفاق والروح الوطنية الواحدة على قاعدة الشراكة في الأهداف والتطلعات والوسائل للوصول الى الهدف المنشود وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، وبالتالي إنتهاء زمن الانقسام والفرقة والتفرد بالقرار والانسجام داخل البيت الفلسطيني والنظر الى مصالح الشعب الفلسطيني وتطلعاته التي لا تقبل أن يعلوها أي تطلعات حزبية أو فصائلية ضيقة ، كما وأن المشهد في زمن الانقسام كان مؤلماً ومحزناً خاصة حينما كنا نرى أن الإحتلال الاسرائيلي كان المستفيد وكان يتمنى لهذا الانقسام ان يستمر الى الأبد.
لقد طويت صفحة الانقسام الى غير رجعة وانتهت حقبة سوداوية في حياة الشعب الفلسطيني الى الأبد وفتحت صفحة جديدة كتب على رأسها الوحدة الوطنية طريقنا للدولة المستقلة ، وتوجت الجهود أخيراً بالمصالحة التي تم توقيعها بالتزام كامل من الكل الفلسطيني وفرح الفلسطينيون جميعاً وخرجوا الى الشوارع يهتفون ويرقصون كأنهم ولدوا من جديد ، وهم يرون أمنياتهم بالوحدة تتحقق بعدما استجيب لدعوات الشعب الذي اراد انهاء الانقسام ، وبهذا الشكل يستطيع الشعب الفلسطيني الوقوف بشكل موحد في مواجهة المخططات الاسرائيلية والتصدي لكل الأعمال الاستيطانية والدفاع عن الحقوق الفلسطينية بشكل أقوى خاصة بعدما يحصن البيت الداخلي ويوحد الصف الوطني بشكل كامل لينتقل بجدية نحو العمل على إنهاء الاحتلال والخلاص منه وصولاً الى الاستقلال الوطني الكامل واقامة الدولة المستقلة.
لقد حملت هذه المصالحة جدية مختلفة ونظرة شمولية ومسئولية كبيرة من جانب الفصائل الفلسطينية خاصة حركتي فتح وحماس اللتان تعاملتا بشكل جدي مع كل القضايا وترفعت عن كل التفاصيل الصغيرة التي قد تؤدي الى خلاف هنا أو هناك ، واستجابت بذلك لدعوات الشعب الذي اراد انهاء الانقسام والخلاف ، وجعلت من الوفاق سيد الموقف فكان التوقيع بهذا الشكل المفاجئ وهذه الرؤيا المبنية على وضع الخلافات جانباً والتطلع الى الوحدة الوطنية كأساس ونقطة انطلاق الى المستقبل ومبدأ لا تنازل عنه في مشهد جميل وابتسامة أخوية دافئة جمعت الكل الفلسطيني على أرض الكنانة مصر وبعثت بعبقها الى فلسطين التي عاشت اللحظة بكل تفاصيلها وفرحت بهذا الانجاز الكبير الذي تحقق.
إن الوحدة الوطنية المنشودة هي حلم كل الفلسطينيين جميعاً ، وهي إرادة الشعب الذي يتوق لكي يرى هذه المصالحة على الأرض تخترق كل مناحي الحياة التي أصيب من جراء هذا الإنقسام وتداوي كل الجراح وكل الالم وتفتح صفحات من المحبة والوفاق بين كل أطياف الشعب على مختلف توجهاته الحزبية والسياسية ومعتقداته الدينية وأفكاره ، ويحتكم الكل الفلسطيني لقانون واحد هو قانون المحبة للآخر والولاء للوطن والإخلاص له.
إن المصالحة الفلسطينية لا يمكن أن تختزل في مجموعة حروف أو كلمات ولا يمكن ان تتمثل في جمل وصياغات لغوية ، كما وأنها لا تتمثل في مجموعة أوامر تصدر من قيادات الفصائل أو رؤساء الاحزاب ، وليست المصالحة مجموعة من الاشتراطات والضمانات والتوافقات بل هي عمق في العلاقة التي لا تخضع لمزاجية ذاتية أو سطوة ولا تحتكم لتدخل خارجي ولا تخضع لأي إملاء ، هي روح الشعب المستلهمة من عظمة التاريخ والترابط العضوي المشترك بين هذه الأرض والشعب المتجذر فيها ، وهي خلاصة الفكرة الطيبة وبذرة التكوين وروح العطاء بلا حدود ولا قيود ، وهي الأمان والضمان لتتابع الاجيال وتقدم المجتمع نحو المستقبل بقوة وعزيمة من أجل بناء الحضارة وحفظ التراث وحماية التاريخ الأصيل ، وهي الضامن لمجموعة القيم والمبادئ الكبرى التي لا من تعزيزها للحفاظ على المجتمع ، وهي مجموعة الأخلاق السامية التي تعيش في ظلالها المجتمعات وتتطور وتنمو وتفتح آفاق نحو المستقبل ، وهي باختصار الكلمات ، السلم والمحبة والتآخي والتصالح مع الذات ، فهل نُحسن صنعاً بما تم توقيعه في مصر ويكون بدايةً نحو أبدية التسامح والتصالح.