واشنطن: محمد علي صالح
وضع جنرالات ورجال استخبارات متقاعدون اميركيون، لهم صله وثيقة بوزارة الدفاع (البنتاغون)، سيناريو لضرب ايران على ثلاث مراحل. المرحلة الاولى تتمثل في ضرب معسكرات الحرس الثوري التي قالت الاستخبارات الاميركية انها تعرف مواقعهم وتعتقد ان القضاء عليهم لن يستغرق سوى يوم واحد. المرحلة الثانية تتمثل في ضرب المفاعلات النووية، وتشمل 300 موقع، منها 125 موقعا لها صلة بالاسلحة النووية والكيماوية والجرثومية. والمرحلة الثالثة تتمثل في ارسال قوات من الخليج والعراق واذربيجان وجورجيا وافغانستان لتحويل انظار الايرانيين وتطويقهم. ثم الزحف نحو ضواحي العاصمة طهران الذي قدر المسؤولون انه قد يستغرق نحو اسبوعين. ولا تتضمن الخطة دخول طهران، غير انها تتضمن تعيين حكومة ايرانية صديقة. لكن السيناريو حذر من ان ايران، بعدما تستشعر خطرا قويا، قد تستبق خطط غزوها بضرب القوات الاميركية في الخليج وفتح جبهة شيعية داخل العراق ضد القوات الاميركية هناك. ووضع هؤلاء الخبراء والعسكريون الكبار سيناريو الغزو بعد جلسة محاكاة لاجتماعات مجلس الامن القومي الاميركي، قسمت فيه الادوار كالآتي:
1 . مثل مستشار بوش للأمن القومي، سام غاردنر الكولونيل المتقاعد الذي وضع قبل عشرين عاما سيناريو لغزو العراق، استفاد منه الجنرال تومي فرانكس، قائد القوات التي غزت العراق العام الماضي. 2 . مثل مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ديفيد كاي مدير فريق الامم المتحدة للبحث عن اسلحة العراق النووية، ثم مدير الفريق الاميركي للبحث عن اسلحة الدمار الشامل، والذي عاد الى اميركا وقال انه لم يعثر عليها.
3 . مثل وزير الخارجية، كينيث بولاك خبير الشؤون الايرانية في معهد بروكنغز في واشنطن. وكان قبل ذلك مسؤولا عن ايران في وكالة الاستخبارات المركزية واصدر قبل غزو العراق بعام كتاب «العاصفة المهددة: دعوة لغزو العراق» الذي ساهم في زيادة تأييد الغزو.
4 . مثل كبير موظفي البيت الابيض، كينيث بيكون مدير منظمة «ريفيوجيز انترناشونال» لاغاثة اللاجئين، وكان متحدثا صحافيا باسم البنتاغون خلال ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون.
5 . مثل وزير الدفاع ، مايكل مازار استاذ استراتيجية الأمن القومي في كلية الحرب القومية في واشنطن.
وبحسب سيناريو الحرب، الذي نشرته مجلة «أتلانتيك»، فقد عقد «اجتماع عاجل» في التاسعة صباح يوم الجمعة، بعد اخبار بأن آية الله خامنئي المرشد الاعلى في ايران خطب في صلاة الجمعة ورفض وقف البرنامج النووي لبلاده وتحدى اميركا وبقية العالم. وذلك بافتراض ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية اصدرت بيانا في اليوم السابق قالت فيه انها «فقدت الامل في اقناع ايران بوقف مشروعاتها النووية».
* وقائع الاجتماع
* ترأس الاجتماع مستشار بوش للأمن القومي، وبدأ بنقطتين:
اولا، طلب عدم مناقشة ميعاد ضرب ايران، لان ذلك يعتمد على اتصالات دبلوماسية يقوم بها بوش. وثانيا، اكد ان كل المعلومات المتوفرة صحيحة، وانه استفاد من درس العراق، الذي تم احتلاله اعتمادا على معلومات، تأكد فيما بعد انها لم تكن صحيحة.
ومن ناحيته، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية «ان الايرانيين سينتجون قنبلة نووية بعد ثلاث سنوات. لكن هناك احتمالا بانهم يملكون امكانيات لا نعرفها، وان دولا باعت لهم معدات لا نعرفها. هناك اشياء نعرف اننا لا نعرفها، واشياء لا نعرف اننا لا نعرفها». وفهم المجتمعون ان القصد هو ان ايران ستنتج قنبلة نووية قريبا، او ربما انتجتها فعلا.
* ضربة واحدة لا تكفي
* وتابع مدير الاستخبارات ان اسرائيل مستعدة، في اي لحظة، لضرب المفاعلات النووية الايرانية، مثلما ضربت المفاعل النووي العراقي قبل عشرين سنة. وأضاف «لكننا نخاف من ان ضربة واحدة لن توقف انتاج القنبلة، او ان القنبلة ربما انتجت فعلا». وفرق بين مصلحة اميركا ومصلحة اسرائيل، وقال ان تهديد القنبلة النووية الايرانية لاسرائيل اكبر من تهديدها لاميركا. ولهذا فإن اسرائيل ربما ستضرب ايران عندما تحس بأن الخطر اصبح حقيقيا.
وقال مدير الاستخبارات الاميركية ان الاستخبارات الاسرائيلية، مثل الاميركية، لا تقدر على الجزم بصحة كل معلوماتها،لأنها تجهل الآتي:
اولا ـ المرحلة الحقيقية التي وصلت اليها ايران لانتاج قنبلة نووية. ثانيا ـ الاماكن التي تنتج فيها القنبلة، او اجزاء منها. ثالثا ـ القدرة على تدميرها بدون تكرار الهجوم، خاصة لأن الهجوم الاول سيثير غضبا عالميا. رابعا ـ حاجة الطائرات الاسرائيلية لاعادة التزود بالوقود في الجو (لم تحتج اسرائيل الى ذلك عندما ضربت المفاعل العراقي). خامسا ـ حاجة هذه الطائرات لأخذ اذون لعبور المجالات الجوية من السعودية، والاردن، وتركيا «بعضهم او كلهم سيرفض»، ومن العراق «الذي سيحدد الاميركيون رفضه او موافقته».
وقال مستشار بوش للأمن القومي ان اثبات خطر ايران النووي للرأي العام العالمي سيكون اسهل مما حدث في حالة العراق، وذلك لسببين: لأن «مفتشي وكالة الطاقة الذرية زاروا المفاعلات الايرانية مرات كثيرة، وتأكدوا بان الايرانيين يعرقلون عملهم، ويخفون عنهم اشياء مهمة.» ولأن «ايران لها علاقات قوية مع منظمات ارهابية تهدد اميركا وحلفاءها واصدقاءها». وقال وزير الخارجية ان ضرب اسرائيل للمفاعلات الايرانية «سيثير ردود فعل قوية في اوروبا والعالم الاسلامي. ولهذا، اذا ركزنا على هذه النقطة، سنقدر على الضغط على اسرائيل كي لا تضرب». وقال ان الاتصالات التي اجراها مع المسؤولين الاسرائيليين اوضحت انهم «لا يريدون ان يضربوا بقدر ما يريدون منا ان نضرب. انهم يعرفون انهم لا يملكون الوسائل الفنية للقضاء على المفاعلات الايرانية». وسأل وزير الخارجية «هل كنا سنهتم بهذا الموضوع لولا ضغط اسرائيل علينا؟». كما حذر من ان ايران ستنتقم لتدمير مفاعلاتها، سواء دمرتها طائرات اميركية او اسرائيلية. وقال ان «الالتزامات الاميركية في العراق هائلة جدا، واذا غضبت ايران علينا، ستحول العراق الى جحيم».
* مثل فيتنام
* وسأل وزير الخارجية وزير الدفاع «هل تقدر على توفير عدد كاف من العسكريين والاسلحة لتحقيق مهمة غزو ايران بدون التأثير على مهمة العراق، وهي ليست سهلة كما نعرف كلنا؟». لكن وزير الدفاع لم يجب اجابة واضحة.
ومن ناحيته، ايد مدير وكالة الاستخبارات المركزية ما قال وزير الخارجية. واضاف ان ايران «ستقرر ان هزيمتنا هزيمة قاسية في العراق، اهم لديها من المحافظة على وحدة العراق وسيادته واستقراره وانتخاباته. وستنتقم من تدمير مفاعلاتها النووية بإجبارنا على ارسال طائرات هليكوبتر الى المنطقة الخضراء في بغداد لاجلاء الاميركيين، مثلما فعلنا عندما سقطت سايغون مع نهاية حرب فيتنام». وهنا طلب مستشار بوش للأمن القومي من المجتمعين التصويت على تقديم توصية لبوش بالسماح لاسرائيل، او عدم السماح لها، بضرب المفاعلات الايرانية. ووافق المجتمعون على عدم اعطاء اسرائيل الضوء الاخصر، ولكن مستشار الامن القومي قبل ذلك على مضض.
* بيانات تبريرية
* وقدم وزير الدفاع خطة غزو من ثلاث مراحل لضرب ايران:
الاولى، ضرب معسكرات الحرس الثوري مع اصدار بيان بان السبب هو تدخل الحرس الثوري في شؤون العراق.
الثانية، ضرب المفاعلات النووية، مع اصدار بيان تبريري يقول ان ايران تحدت الرأي العام العالمي فيما يتعلق ببرنامجها النووي. الثالثة، تغيير النظام، مع اصدار بيان بأنه نظام دكتاتوري ويؤيد الارهابيين.
وطلب وزير الدفاع من المجتمعين تقديم توصية للرئيس بوش، لا ليأمر بتنفيذ الخطوة الاولى، ولكن ليأمر بالاستعداد لتنفيذ الخطوات الثلاث، لأنها مرتبطة مع بعضها. وعن ضرب الحرس الثوري، قال وزير الدفاع «انها مهمة سهلة» لأن الاستخبارات العسكرية تعرف مواقعهم، ولأن الجنرالات خططوا لضرب المواقع بطائرات «ستليث» (الشبح) التي ستقلع من الولايات المتحدة، وبصواريخ «كروز» من الاساطيل البحرية في المنطقة. وقال ان كل ذلك سيتم خلال ليلة واحدة.
* ضرب المفاعلات
* وعن ضرب المفاعلات النووية، قال وزير الدفاع ان الخطة لا تختلف عن الخطة الاسرائيلية، وتشمل 300 موقع، منها 125 موقعا لها صلة بالاسلحة النووية والكيماوية والجرثومية. وبقية المواقع هي قيادات عسكرية وقواعد الدفاع الجوي التي لا بد من اسكاتها اولا. وقال ان المهمة ستستغرق خمسة ايام. وعن الغزو، قال انه سيبدأ بـ «هجوم مخادع» من الخليج. وبعد ان تحتشد القوات الايرانية في جنوب ايران، يبدأ الهجوم الارضي الاميركي الرئيسي من العراق. وبعد ان يتجه جزء من القوات الايرانية الى هناك، يبدأ هجوم بالمظلات من الشمال، من مطارات في اذربيجان وجورجيا. وفي نفس الوقت، تتسلل القوات الاميركية الخاصة من شرق افغانستان. ثم تزحف قوات ارضية من افغانستان ايضا.
وقال وزير الدفاع انه سيحتاج الى ثلاثة اسابيع لارسال الاسلحة وحشد القوات في الدول المجاورة لأيران «بطرق سرية لا يعلم بها العالم». وسيحتاج الى اسبوع لضرب الحرس الجمهوري والمفاعلات النووية. وسيحتاج الى اسبوعين للوصول الى ضواحي طهران.
* حكومة صديقة
* وقال وزير الدفاع «لا نريد اسقاط طهران كما اسقطنا بغداد. نريد معركة خارجها. وستتسلل القوات الخاصة الى داخل المدينة. وسنضغط لاسقاط حكومة الملالي، ووضع حكومة صديقة. وسنخرج من طهران سريعا. وستساعدنا الحكومة الصديقة على الخروج من ايران سريعا». وسئل وزير الدفاع اذا كان اسقاط حكومة ايرانية قوية دينية ظلت في الحكم لربع قرن سيكون امرا سهلا. واجاب بأن تدمير الحرس الثوري، والمفاعلات النووية، والزحف من خمسة اتجاهات، وضرب طهران، والوصول الى ضواحيها، والمفاجآت العسكرية المستمرة لاسبوعين او ثلاثة اسابيع، ستقود الى «هزيمة نفسية قبل الهزيمة العسكرية». وقال «اي حكومة هي، في الحقيقة، مثل حجر صامت. لكنه متى بدأ يتدحرج، لا يعرف احد اين سيقف. الخطوة الاولى هي دحرجته، ونحن نقدر على ذلك».
* تحذيرات
* لكن وزير الدفاع حذر من ان ايران ستفتح جبهة جديدة من داخل العراق، اعتمادا على الاغلبية الشيعية، وسترفع سعر البترول، موضحا ان ايران «عندما تقتنع اننا سنغزوها» ستضرب القوات الاميركية في الخليج استباقيا. وحذر من ان مطارات اذرييجان وجورجيا صغيرة، ولن تقدر على استيعاب قوات الغزو. واقترح رصد 700 مليون دولار لتوسيع المطارات. واعاد الى الاذهان ان الجنرال فرانكس، قائد قوات غزو العراق، طلب قبل الغزو بعام رصد نفس المبلغ لتوسيع وتطوير مطارات في الخليج.
وقال وزير الدفاع ان هناك فرقا «بين التنفيذ والاستعداد. الاستعداد لا بد ان يبدأ مبكرا، لأننا سنحتاج الى وقت كاف لوضع ميزانية، وارسالها الى الكونغرس، واجازتها، واعادتها الينا، لننفذ ما فيها». وناقش المجتمعون هذه النقطة ووافقوا بالاجماع على رصد الاعتمادات.
وتحدث وزير الخارجية عن الجوانب السياسية، وقال ان «اي غزو سهل وسريع لايران سيكون معناه احتلالا صعبا وطويلا للعراق» وسأل «هل وضعنا اعتبارات لذلك؟» وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية انه لا بد من وضع خطة لإجراء اتصالات مسبقة ومكثفة مع الحلفاء، خاصة الاوروبيين. وحذر كبير موظفي البيت الابيض من وضع خطة عاجلة، وارسالها الى الرئيس بوش قبل التأكد من فعاليتها. وسأل «كيف سنخرج من ايران بعد ان نحقق اهدافنا ؟ لا تظلموا الرئيس، وتقنعوه بشيء بدون ان تشرحوا له الصورة الكاملة والنهائية».
وقال وزير الدفاع ان العسكريين سيحملون الخطة الى تامبا في ولاية فلوريدا، حيث قيادة القيادة الوسطى لدراسة تفاصيل تنفيذها. لكن كبير موظفي البيت الابيض لم يقتنع، وقال غاضبا «ليرموا الخطة في خليج تامبا». وحذر وزير الخارجية من ان حكومة ايران «حكومة مجنونة. اذا عرفت اننا نبني مطارات في جورجيا او اذريبجان، حتى اذا كانت مطارات مدنية، وحتى اذا كانت ليست ضدهم، سيبدأون بضربنا». واقترح ان يكون الهجوم من حاملات الطائرات، لأن بناء المطارات سيثير شكوك الايرانيين.
* توصية نهائية
* وناقش المجتمعون مشكلة رفع توصية للرئيس بوش بتفضيل الحل الدبلوماسي على الحل العسكري. كما ناقشوا مشكلة حشد القوات الاميركية بدون اعطاء ايران الفرصة لضربها ضربة استباقية. وايضا مشكلة ضمان سقوط حكومة ايران بدون دخول العاصمة، اضافة الى بحث مزاج الرئيس بوش نفسه. وقال كبير موظفين البيت الابيض «مستشارو الرئيس في الادارة الاولى تعبوا واستقالوا، او تعبوا وبقوا. لهذا فان الكفاءة ستنخفض الى المرتبة الثانية في الادارة الثانية». وقال مستشار بوش للأمن القومي «لكن طريقة تفكير الرئيس هي الاهم. هو يفكر هكذا، ويتصرف هكذا، ويتكلم هكذا. البصمة الوراثية لبوش واحدة لا تتغير في الادارة الاولى وفي الادارة الثانية». وقال كبير الموظفين غاضبا «لكننا لم نناقش مزاج الايرانيين، وطريقة تفكيرهم، وبصمتهم الوراثية. لم نناقش احتمال ضربات استباقية من ايران. مثل هجوم على قواتنا في الخليج. ومثل هجوم في ميناء بولتيمور. ومثل نسف كوبري البوابة الذهبية في سان فرانسيسكو. واحتمالات تحالف الايرانيين مع القاعدة لضرب اهداف داخل اميركا». وبسبب معارضة كبير موظفي البيت الابيض ووزير الخارجية وتردد مدير الاستخبارات. ورغم حماس وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي انتهى الاجتماع بتوصية الى الرئيس بوش بعدم ضرب ايران.