بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله الذي اصطفى وعلى آله وصحبه ومن سار على أثره واقتفى وبعد:
ففي هذه الأيام تمر بنا ذكرى عزيزة على قلوبنا جميعا هي ذكرى الإسراء والمعراج تلك المعجزة الخالدة التي كانت بمثابة فتح على النبي صلى الله عليه وسلم إذ بعد أن فقد زوجته خديجة وعمه أبو طالب اشتد أذى قريش عليه ولم يبق له نصير على وجه الأرض يمنعه من كفار قريش فخرج إلى الطائف يعرض دعوته على أبناء ياليل فردوا عليه أسوأ رد وأغروا به أطفالهم وسفهاءهم يقذفونه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين فكان من أشد الأيام التي مرت عليه في حياته، فقد روى مسلم بسنده عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على بن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا.
وبعد أن اشتد الخطب على رسول الله جاءه الفرج فأكرمه الله بـ: "عداس" فأسلم على يديه، ثم جاء الجن يستمعون قراءته ثم يسلموا قال تعالى ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) (الاحقاف:29) وقال أيضا: ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً ) (الجـن:1-2) .
وفي الليلة ذاتها أكرمه الله برحلته إلى بيت المقدس ثم عروجه إلى السماء، فقد روى البخاري بسنده عن أنس بن مالك عن مالك رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان وذكر يعني رجلا بين الرجلين فأتيت بطست من ذهب ملئ حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ حكمة وإيمانا وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار البراق فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجئ جاء فأتيت على آدم فسلمت عليه فقال مرحبا بك من بن ونبي فأتينا السماء الثانية قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجئ جاء فأتيت على عيسى ويحيى فقالا مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الثالثة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجئ جاء فأتيت على يوسف فسلمت عليه قال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الرابعة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه قيل نعم قيل مرحبا به ولنعم المجئ جاء فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال مرحبا من أخ ونبي فأتينا السماء الخامسة قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجئ جاء فأتينا على هارون فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا على السماء السادسة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ولنعم المجئ جاء فأتيت على موسى فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فلما جاوزت بكى فقيل ما أبكاك قال يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي فأتينا السماء السابعة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ونعم المجئ جاء فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه فقال مرحبا بك من بن ونبي فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم ورفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر وورقها كأنه آذان الفيول في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل فقال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران النيل والفرات ثم فرضت علي خمسون صلاة فأقبلت حتى جئت موسى فقال ما صنعت قلت فرضت علي خمسون صلاة قال أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا تطيق فأرجع إلى ربك فسله فرجعت فسألته فجعلها أربعين ثم مثله ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين ثم مثله فجعل عشرا فأتيت موسى فقال مثله فجعلها خمسا فأتيت موسى فقال ما صنعت قلت جعلها خمسة فقال مثله قلت سلمت بخير فنودي إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي الحسنة عشرا وقال همام عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في البيت المعمور )).
وبعد ذلك بوقت يسير حدثت بيعة العقبة الأولى ثم بيعة العقبة الثانية ثم الهجرة ثم تأسيس الدولة الإسلامية التي قضت على الفتن حول المدينة وفي غضون خمس عشرة سنة قضت على أعظم قوتين عسكريتين في ذلك الزمن (الفرس والروم) .
نسأل الله كما نصر حبيبه محمد أن ينصر أمة حبيبه محمد وكما أذاقنا ذل الهزيمة أن يذيقنا حلاوة النصر إنه نعم ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا محمد وال بيته الطاهرين وصحابته الاطهار
منقول